تخطى إلى المحتوى
Home » الطنط الأسود #3: الغسيل الوردي وكذبة الحماية وإسرائيل

الطنط الأسود #3: الغسيل الوردي وكذبة الحماية وإسرائيل

هذه التدوينة هي أشكَلَة لأطروحات “مناهضة الغسيل الوردي” السائدة من مؤسسات مجتمع مدني أو كتّاب أو نشطاء سياسيين، والتي تعتمد على “دحض كذبة” كون إسرائيل حامية لأشخاص كوير فلسطينيين.

نشر موقع 972+الأسبوع الماضي تقريرًا حول قصّة امرأة ترانس فلسطينيّة مع “إسرائيل”، بحيث “تزيح قصّتها الغطاء عن إدّاعات الغسيل الوردي الإسرائيليّة”.

ليست هذه التدوينة عن التقرير المذكور حصرًا، إلّا أنّها فقط تستخدمه كمثال على نقاشات السياسات الجنسيّة والجندريّة في السياق الاستعماري، وتستغلّ نشره لإضافة أسئلة وإشكاليّات جديدة حول هذا الخطاب.

لا داعي لقراءة التقرير، فهو مجرّد واحد من تقارير أخرى عدّة بالإنجليزيّة حول الغسيل الوردي، ولا تجديد فيه، لدرجة أنني حسبت نفسي قرأته مسبقًا. يتناول التقرير القصّة المعلوكة ذاتها حول صبيّة ترانس فلسطينيّة (في العادة سابقًا، كان الموضوع هو شابّ مثلي) تهرب من قريتها الواقعة في الضفة الغربيّة إلى “إسرائيل”، ويسرد ما تلاقيه هناك من “عنصريّة” وتكتشف كذبة الحماية التي تدّعيها إسرائيل حول نفسها. 

هذا التقرير هو واحد من العشرات من المواد الصحفيّة والمحاضرات والأفلام ومنشورات مواقع التواصل الاجتماعي التي تدور حول النقطة نفسها: إسرائيل ليست ملاذّا آمنًا للترانس والمثليين الفلسطينيين، وادّعاءاتها حول سياساتها “التقدمية” هي مجرد غسيل وردي لعنصريّتها. 

على الرّغم من أنّ التقرير يستند إلى تأطيرات أكثر جذريّة ل “الغسيل الوردي”، وهو تأطير مؤسسة “القوس” حول كون الغسيل الوردي هو مجرّد أحد عوارض الاستعمار الاستيطاني، إلّا أنّ جوهر التقرير وانطلاقه من القصّة الشخصيّة للصبيّة المذكورة، يعيدنا خطوات إلى الوراء ويبقينا عالقين في الفخّ الليبرالي حول “دحض كذبة إسرائيل”. 

لتوضيح القصد بهذا “الفخّ”، نطرح نقطتين متكاملتين: 

الأولى: مقابل قصّة الشخص المذكورة ثمّة العشرات من القصص التي تثبت العكس، بكون إسرائيل فعلًا ملاذًا “آمنًا” لأشخاص كوير فلسطينيين من العنف الذي قد يلقوه من مجتمعاتهم أو عائلاتهم أو السلطة الفلسطينيّة، وهو فعًا ما تستخدمه إسرائيل في الدعاية لنفسها كحامية لنا خارجيًا وأمام نفسها على حدّ السواء.

 لا يمكن تغطية الشمس بغربال، وهذه ليست مجرّد “إدعاءات إسرائيليّة كاذبة”، بل القول بذلك هو الكذب. نعلم جيدًا أنّ العشرات من الضفّة الغربيّة “يهربون” إلى مدن داخل كيان الاستعمار، كما يستخدم العشرات من الأشخاص من الداخل (فلسطينيّو ال48) أدوات الحماية القانونيّة المتوفّرة في الكيان. هذه “الحماية” هي نفسها التي تتيح تنظيم مسيرات فخر بعشرات الآلاف، وذاتها التي تتيح لمؤسسة كالقوس تنظيم وقفات في حيفا وحفلات في تل أبيب. 

والنقطة الثانية والجوهريّة هي كون تقديم كيان الاستعمار الحماية أو الملاذ لأشخاص كوير فلسطينيين وغير فلسطينيين هو ليس موضع التساؤل المهمّ الذي يجب أن تدور حوله دعوات “تفنيد الغسيل الوردي الإسرائيلي” الذي يضطلع به فاعلون سياسيون مختلفون. بل هو وجود إسرائيل من أساسه، واستمرارها من خلال التطهير العرقي لمجموعة بشريّة هي الفلسطينيون. 

فلنفترض أنّ إسرائيل تقدّم -فعلًا- كامل إمكانيّات الحماية والدعم لأشخاص كوير فلسطينيين، وتفتح لهم أذرعها بكلّ حُب وسلام، هل يجعلها كيانًا أقلّ وحشيّة ويعطيها أيّ نوع من الشرعيّة؟ الإجابة قطعًا لا. 

تجعل أطروحات مثل التي يقدّمها تقرير +972 قضية العنف الاستعماري الاستيطاني قضيّة نقاش حول سياسات “الاحتواء” و”العنصرية”، وهو سقف الرؤية الليبرالية للاستعمار الاستيطاني، وهو ما يفضّله الاستعمار، لأنّه دون أدنى شكّ سيكسب فيه. كما أنّها تحوّل قضية العنف التأسيسي والجوهري في كيان الاستعمار إلى قضايا تقنيّة تتعلّق بالحماية والعنصريّة، مثل عدم وجود محامين بشكل كافي للأشخاص كوير فلسطينيين لاجئين، أو عدم توفر خدمات في اللغة العربية في الملاجئ التي تستقبل الفلسطينيين، أو مدة تصريح الإقامة للاجئين.

من المهمّ التنويه إلى أنّ هذا موضوع نقاش طويل ويحمل ثقل نظري وأمثلة من حياتنا في فلسطين والخوض فيه هو الدخول في حقل ألغام متفجّر، إلّا أنّ هذه التدوينة هي مجرّد خطوة أولى للإشارة إلى هذه الإشكاليّة/ المعضلة، استغلالًا لنشر تقرير +972، ونطمح لاستكماله بشكل ثابت في الطنط الأسود. 

انضمي لقائمة الاشتراك

*